فصل: فصل: (الأذان للفائتة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


كتاب‏:‏ الصلاة

الصلوات المكتوبات خمس؛ لما روى طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا قال‏:‏ يا رسول الله ماذا فرض الله علي من الصلاة‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏خمس صلوات في اليوم والليلة قال‏:‏ هل علي غيرها‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا أن تطوع شيئا‏]‏ متفق عليه‏.‏

ولا تجب إلا على مسلم عاقل بالغ فأما الكافر فلا تجب عليه أصليا كان أو مرتدا‏.‏

وخرج أبو إسحاق بن شاقلا رواية أخرى‏:‏ أنها تجب على المرتد ويؤمر بقضائها لأنه اعتقد وجوبها وأمكنه التسبب إلى أدائها فأشبه المسلم‏.‏

والمذهب الأول لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف‏}‏ ولأنه قد أسلم كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وبعده فلم يؤمروا بقضاء ولأن في إيجاب القضاء تنفيرا له عن الإسلام فعفي عنه‏.‏

ولا تجب على مجنون لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ‏]‏ حديث حسن ولأن مدته تتطاول فيشق إيجاب القضاء عليه فعفي عنه‏.‏

ولا تجب على الصبي حتى يبلغ للحديث ولأن الطفل لا يعقل المدة التي يكمل فيها عقله وبنيته تخفى وتختلف فنصب الشرع علامة ظاهرة وهي البلوغ لكنه يؤمر بها لسبع ويضرب عليها لعشر ليتمرن ويعتادها فلا يتركها عند بلوغه وتصح صلاته ويستحب لها فعلها لما ذكرنا‏.‏

وعنه‏:‏ أنها تجب عليه إذا بلغ عشرا لكونه يعاقب على تركها والواجب ما عوقب على تركه‏.‏

والأول المذهب‏.‏

فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في الوقت لزمته إعادتها لأنه صلاها نفلا فلم تجزه عما أدرك وقته من الفرض كما لو نواها نفلا‏.‏

وإن بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو أسلم الكافر أو طهرت الحائض قبل غروب الشمس لزمته الظهر والعصر وإن كان ذلك قبل طلوع الفجر لزمته المغرب والعشاء لأن ذلك يروى عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس رضي الله عنهما ولأن وقتهما وقت لكل واحدة منهما حال العذر فأشبه ما ‏[‏لو‏]‏ أدرك جزءا من وقت الأولى‏.‏

وإن بلغ في وقت الفجر لم يلزمه غيرها لأن وقتها مختص بها‏.‏

وتجب الصلاة على المغمى عليه لمرض أو شرب دواء وعلى السكران لأن عمارا أغمي عليه فقضى ما فاته ولأن مدته لا تتطاول ولا تثبت الولاية عليه فوجبت عليه كالنائم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من وجبت عليه الصلاة‏]‏

ومن وجبت عليه الصلاة لم يجز له تأخيرها عن وقتها إذا كان ذاكرا لها ن قادرا على فعلها إلا المتشاغل بتحقيق شرطها ومن أراد الجمع لعذر فإن جحد وجوبها كفر لأنه كذب الله تعالى في خبره‏.‏

وإن تركها متهاونا بها معتقدا وجوبها وجب قتله لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقتلوا المشركين‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم‏}‏ فدل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة يقتلون ولأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على قتال مانعي الزكاة والصلاة آكد منها‏.‏

ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثة أيام ويضيق عليه ويدعى إلى فعل كل صلاة في وقتها ويقال له‏:‏ إن صليت وإلا قتلناك لأنه قتل لترك واجب فيتقدمه الاستتابة كقتل المرتد فإن تاب وإلا قتل بالسيف وهل يقتل حدا أو لكفره‏؟‏‏.‏

فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لكفره وهو كالمتمرد في أحكامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة‏]‏ رواه مسلم ولأنها من دعائم الإسلام لا تدخلها نيابة بنفس ولا مال فيكفر تاركها كالشهادتين‏.‏

والثانية‏:‏ يقتل حدا كالزاني المحصن لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة من لم يحتفظ عليهن لي يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له‏]‏ من المسند ولو كفر لم يدخله في المشيئة‏.‏

ولقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من قال لا إله إلا الله دخل الجنة‏]‏ ‏[‏ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله‏]‏ متفق عليهما‏.‏

ولأنها فعل واجب في الإسلام فلم يكفر تاركها المعتقد لوجوبها كالحج‏.‏

باب‏:‏ أوقات الصلوات

الأولى هي الظهر لما روى أبو برزة الأسلمي قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس يعني‏:‏ تزول في حديث طويل متفق عليه وأول وقتها إذا زالت الشمس وآخره إذا كان ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت الشمس عليه لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة الأولى حين زالت الشمس والفيء مثال الشراك ثم صلى بي في المرة الأخيرة حين صار ظل كل شيء مثله وقال‏:‏ الوقت ما بين هذين‏]‏ في حديث طويل قال الترمذي‏:‏ هو حديث حسن ويعرف زوال الشمس بطول الظل بعد تناهي قصره‏.‏

والأفضل تعجيلها لحديث أبي برزة إلا في شدة الحر فإنه يستحب الإبراد بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أبردوا ‏[‏بالظهر‏]‏ في شدة الحر فإن شدة الحر من فيح جهنم‏]‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صلاة العصر‏]‏

ثم العصر وهي الوسطى لما روى علي رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب‏:‏ ‏[‏شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا‏]‏ متفق عليه‏.‏

وأول وقتها إذا صار ظل كل شيء مثله وآخره إذا صار ظل كل شيء مثليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل‏:‏ ‏[‏وصلى بي العصر حين صار ظل كل شيء مثله ثم صلى بي المرة الآخرة حين صار ظل كل شيء مثليه‏]‏‏.‏

وعنه‏:‏ أن آخره ما لم تصفر الشمس لما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏وقت العصر ما لم تصفر الشمس‏]‏ رواه مسلم‏.‏

ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى غروب الشمس‏.‏

ومن أدرك منها جزءا قبل الغروب فقد أدركها لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته‏]‏ متفق عليه‏.‏

وتعجيلها أفضل بكل حال لقول أبي برزة في حديثه‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صلاة المغرب‏]‏

ثم المغرب وهي الوتر وأول وقتها إذا غابت الشمس وآخره إذا غاب الشفق الأحمر لما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا فأقام المغرب حين غابت الشمس ثم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق ثم قال‏:‏ ‏[‏وقت وصلاتكم بين ما رأيتم‏]‏ رواه مسلم‏.‏

وفي حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏وقت المغرب ما لم يغب الشفق‏]‏ ويكره تأخيرها عن وقتها لأن جبريل عليه السلام صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين في أول وقتها وقال جابر‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا وجبت الشمس متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صلاة العشاء‏]‏

ثم العشاء وأول وقتها إذا غاب الشفق الأحمر وآخره ثلث الليل لما روى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء في اليوم الأول حين غاب الشفق وصلاها في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل‏)‏ وحديث ابن عباس في صلاة جبريل مثله وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏الشفق الحمرة فإن غاب الشفق وجبت الصلاة‏]‏ رواه الدارقطني‏.‏

وعنه‏:‏ آخره نصف الليل لما روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏وقت العشاء إلى نصف الليل‏]‏ رواه مسلم وأبو داود‏.‏

والأفضل تأخيرها لقول أبي برزة‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء متفق عليه‏.‏

ويستحب أن يراعى حال المأمومين لقول جابر‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء أحيانا يقدمها وأحيانا يؤخرها إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا أخر متفق عليه‏.‏

ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني على ما ذكرناه في وقت العصر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صلاة الفجر‏]‏

ثم الفجر وأول وقتها إذا طلع الفجر الثاني بغير خلاف وهو البياض الذي يبدو من قبل المشرق معترضا لا ظلمة بعده وآخره إذا طلعت الشمس لما روى بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بلالا فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني صلى الفجر فأسفر بها ثم قال‏:‏ ‏[‏وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم‏]‏ وفي حديث ابن عباس جبريل مثله‏.‏

والأفضل تعجيلها لما روت عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس متفق عليه‏.‏

وعنه‏:‏ يراعي حال المأمومين فإن أسفروا فالإسفار أفضل لما ذكرنا في العشاء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى تجب الصلاة‏]‏

وتجب الصلاة بأول الوقت لأن الأمر بها يتعلق بأول وقتها والأمر يقتضي الوجوب ولأنه سبب الوجوب فتثبت عقبيه كسائر الأسباب ويستقر الوجوب بذلك‏.‏

فلو جن بعد دخول جزء من وقت الصلاة أو حاضت المرأة لزمها القضاء لأنه إدراك جزء تجب بها الصلاة فاستقرت به كآخر الوقت‏.‏

وهل تجب العصر بإدراك جزء من وقت الظهر‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ تجب لأنه أدرك جزءا من وقت إحدى صلاتي الجمع فلزمته الأخرى كإدراك جزء من وقت العصر‏.‏

والثاني‏:‏ لا تجب لأنه لم يدرك شيئا من وقتها ولا وقت تبعها فأشبه من لم يدرك شيئا بخلاف العصر فإنها تفعل تبعا للظهر فمدرك وقتها مدرك لجزء من وقت تبع الظهر وهكذا القول في المغرب والعشاء‏.‏

ومن أدرك ركعة من الصلاة قبل خروج الوقت فهو مدرك لها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة‏]‏ وفي لفظ‏:‏ ‏[‏إذا أدرك أحدكم سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح فليتم صلاته‏]‏ متفق عليه‏.‏

وفي مدرك أقل من ركعة وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يكون مدركا لها لأنه إدراك جزء من الصلاة فاستوى فيه الركعة وما دونها كإدراك الجماعة‏.‏

والثاني‏:‏ لا يكون مدركا لها لتخصيصه الإدراك بركعة وقياسا على إدراك الجمعة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تأخير الصلاة‏]‏

ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر وقتها لأن جبريل عليه السلام صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني في آخر الوقت‏.‏

فإن أخرها عن وقتها لزمه قضاؤها على الفور لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها‏]‏ متفق عليه فإن فاتته صلوات لزمه قضاؤهن مرتبات لأنها صلوات مؤقتات فوجب الترتيب فيها كالمجموعتين‏.‏

فإن خشي فوات الحاضرة قدمها لئلا تصير فائتة ولأن فعل الحاضرة آكد بدليل أنه يقتل بتركها بخلاف الفائتة‏.‏

وعنه‏:‏ لا يسقط الترتيب لما ذكرنا من القياس‏.‏

وإن نسي الفائتة حتى صلى الحاضرة سقط الترتيب وقضى الفائتة وحدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان‏]‏ رواه النسائي وإن ذكرها في الحاضرة والوقت ضيق فكذلك‏.‏

وإن كان متسعا وهو مأموم أتمها وقضى الفائتة وأعاد الحاضرة لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام‏]‏ رواه أبو حفص العكبري وأبو يعلى الموصلي وروي موقوفا على ابن عمر‏.‏

وفي المنفرد روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنه كذلك‏.‏

والأخرى‏:‏ يقطعها‏.‏

وعنه من الإمام‏:‏ أنه ينصرف ويستأنف المأمومون قال أبو بكر لم ينقلها غير حرب‏.‏

وإن كثرت الفوائت قضاها متتابعة ما لم تشغله عن معيشته أو تضعفه في بدنه حتى يخشى فوات الحاضرة فليصلها ثم يعود إلى القضاء‏.‏

وعنه‏:‏ إذا كثرت الفوائت فلم يمكنه فعلها قبل فوات الحاضرة فله فعل الحاضرة في أول وقتها لعدم الفائدة في التأخير مع لزوم الإخلال في الترتيب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من نسي صلاة‏]‏

ومن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لزمه خمس صلوات ينوي في كل واحدة أنها المكتوبة ليحصل له تأدية فرضه بيقين‏.‏

وإن نسي ظهرا وعصرا من يومين لا يدري أيتهما الأولى لزمه ثلاث صلوات ظهرا ثم عصرا ثم ظهرا ‏[‏أو‏]‏ عصرا ثم ظهرا ثم عصرا ليحصل له ترتيبها بيقين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من شك في دخول الوقت‏]‏

ومن شك في دخول الوقت لم يصل حتى يتيقن أو يغلب على ظنه ذلك بدليل‏.‏

فإن أخبره ثقة عن علم عمل به وإن أخبره عن اجتهاد لم يقلده واجتهد حتى يغلب على ظنه دخوله فإن صلى فبان أنه وافق الوقت أو بعده أجزأه لأنه صلى بعد الوجوب‏.‏

وإن وافق قبله لم يجزه لأنه صلى قبل الوجوب‏.‏

باب‏:‏ الأذان

الأذان مشروع للصلوات الخمس دون غيرها وهو من فروض الكفاية لأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فلم يجز تعطيله كالجهاد فإن اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا عليه‏:‏ وإن أذن واحد في المصر أسقط الفرض عن أهله ولا يجزئ الأذان قبل الوقت لأنه لا يحصل المقصود منه إلا الفجر فإنه يجزئ الأذان لها بعد نصف الليل لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم‏]‏ متفق عليه‏.‏

ولأنه وقت النوم فيحتاج إلى التأذين قبل الوقت لينتبه النائم ويتأهب للصلاة بخلاف سائر الصلوات‏.‏

ولا يؤذن قبل الوقت إلا من يتخذه عادة لئلا يغر الناس ويكون معه من يؤذن في الوقت كفعل بلال وابن أم مكتوم‏.‏

ولا يجوز تقديم الإقامة على الوقت لأنها تراد لافتتاح الصلاة ولا تفتتح قبل الوقت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صفة الأذان‏]‏

ويذهب أبو عبد الله رضي الله عنه إلى أذان بلال الذي أريه عبد الله بن زيد كما روي عنه أنه قال‏:‏ لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا فقلت‏:‏ يا عبد الله أتتبع الناقوس‏؟‏ قال‏:‏ وما تصنع به‏؟‏ قلت ندعو به إلى الصلاة فال‏:‏ أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك‏؟‏ فقلت‏:‏ بلى فقال تقول‏:‏ الله أكبر‏:‏ الله أكبر‏:‏ الله أكبر‏:‏ الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال‏:‏ ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال‏:‏ تقول‏:‏ إذا أقمت الصلاة‏:‏ الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال‏:‏ ‏[‏إنها رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى طوتا منك‏]‏ رواه أبو داود فهذه صفة الأذان والإقامة المستحب لأن بلالا كان يؤذن به حضرا وسفرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات‏.‏

وإن رجع في الأذان أو أثنى الإقامة فلا بأس لأنه من الاختلاف المباح‏.‏

ويستحب أن يقول في أذان الصبح بعد حي على الفلاح‏:‏ الصلاة خير من النوم مرتين لما روى أبو محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له‏:‏ ‏[‏إن كان في أذان الصبح قلت‏:‏ الصلاة خير من النوم مرتين‏]‏ رواه النسائي ويكره التثويب في غيره لما روى بلال قال‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء رواه ابن ماجة‏.‏

ودخل ابن عمر مسجدا يصلي فيه فسمع رجلا يثوب في أذان الظهر فخرج وقال‏:‏ أخرجتني البدعة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الأذان للفائتة‏]‏

ويسن الأذان للفائتة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته الصبح فقال‏:‏ ‏[‏يا بلال قم فأذن‏]‏ ثم صلى ركعتين ثم أقام ثم صلى الغداة متفق عليه‏.‏

وإن كثرت الفوائت أقام وأذن للأولى ثم أقام للتي بعدها لما روى ابن مسعود أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله ثم أمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء رواه الأثرم‏.‏

وإن جمع بين الصلاتين فكذلك لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين رواه مسلم‏.‏

وإن ترك الأذان للفائتة أو المجموعتين في وقت الآخرة منهما فلا بأس لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بإقامة لكل صلاة من غير أذان متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من يصح منه الأذان‏]‏

ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ولا يصح من كافر ولا طفل ولا مجنون لأنهم من غير أهل العبادات ولا يشرع الأذان للنساء ولا الإقامة ولا يصح منهن لأنه يشرع فيه رفع الصوت ولسن من أهل ذلك ولا لخنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه رجلا‏.‏

وفي أذان الفاسق والصبي العاقل وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يصح لأنه مشروع لصلاتهما وهما من أهل العبادات‏.‏

والثاني‏:‏ لا يصح لأنه إعلام بالوقت ولا يقبل فيه خبرهما وفي الأذان الملحن وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يصح لأنه أتى به مرتبا فصح كغيره‏.‏

والثاني‏:‏ لا يصح لما روى ابن عباس قال‏:‏ كان لرسول صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن‏]‏ رواه الدارقطني‏.‏

وفي أذان الجنب وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يصح لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالحدث الأصغر‏.‏

والثاني‏:‏ لا يصح لأنه ذكر مشروع للصلاة يتقدمها أشبه الخطبة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يستحب للمؤذن‏]‏

ويستحب للمؤذن أن يكون أمينا لأنه مؤتمن على الأوقات صيتا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن زيد‏:‏ ‏[‏ألقه على بلال فإنه أندى صوتا منك‏]‏ رواه أبو داود ولأنه أبلغ في الإعلام المقصود بالأذان وأن يكون عالما بالأوقات ليتمكن من الأذان في أوائلها وأن يكون بصيرا لأن الأعمى لا يعلم إلا أن يكون معه بصير يؤذن قبله كبلال مع ابن مكتوم فإن تشاح اثنان في الأذان قدم أكملهما في هذه الخصال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم بلالا على عبد الله بن زيد لكونه أندى صوتا وقسنا عليه باقي الخصال فإن استويا في ذلك أقرع بينهما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا ما يستهموا عليه لاستهموا‏]‏ متفق عليه وتشاح الناس في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد‏.‏

وعنه‏:‏ يقدم من يرضاه الجيران لأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم‏.‏

ولا بأس أن يؤذن اثنان أحدهما بعد الآخر لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له بلال وابن أم مكتوم إذا نزل هذا طلع هذا ولا يسن أكثر من هذا إلا أن تدعو إليه الحاجة فيجوز لأن عثمان رضي الله عنه اتخذ أربعة مؤذنين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الأذان قائما‏]‏

يستحب أن يؤذن قائما لقول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال‏:‏ ‏[‏قم فأذن‏]‏ ولأنه أبلغ في الإسماع فإن أذن قاعدا أو راكبا في السفر جاز لأن الصلاة آكدة منه وهي تجوز كذلك وأن يؤذن على موضع عال لأنه أبلغ في الإعلام وروي أن بلالا كان يؤذن على سطح امرأة ويرفع صوته لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للمؤذن‏:‏ ‏[‏يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس‏]‏ رواه أبو داود ولا يجهد نفسه فوق طاقته لئلا ينقطع صوته ويؤذي نفسه وإن أذن لفائتة أو لنفسه في مصر لم يجهر لأنه لا يدعو أحدا وربما غر الناس وإن كان في الصحراء جهر في الوقت فإن أبا سعيد قال‏:‏ ‏[‏إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء إنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة‏]‏ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ويستحب أن يؤذن متوضئا لأن أبا هريرة قال‏:‏ لا يؤذن إلا متوضئ وروي مرفوعا أخرجه الترمذي ويستحب أن يؤذن مستقبل القبلة ويلتفت يمينا إذا قال‏:‏ حي على الصلاة ويسارا إذا قال‏:‏ حي على الفلاح ولا يزيل قدميه ويجعل إصبعيه في أذنيه لما روى أبو جحيفة قال‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم وأذن بلال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا حي على الصلاة حي على الفلاح متفق عليه وفي لفظ‏:‏ ولم يستدر وأصبعاه في أذنيه رواه الترمذي‏.‏

ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر الإقامة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏يا بلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر‏]‏ رواه أبو داود ولأن الأذان إعلام الغائبين والترسل فيه أبلغ في الإسماع والإقامة إعلام الحاضرين فلم يحتج إلى الترسل فيه ويكره التمطيط والتلحين فيه لما تقدم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ترتيب الأذان‏]‏

ولا يصح الأذان إلا مرتبا متواليا لأنه لا يعلم أنه أذن بدونهما فإن سكت فيه سكوتا طويلا أعاد ولا يصح أن يبني على أذان غيره لأنه عبادة بدنية فلم يبن فعله على فعل غيره كالصلاة فإن أغمي عليه ثم أفاق قريبا بنى وإن طال الفصل ابتدأ لتحصيل الموالاة وإن ارتد في أثنائه بطل أذانه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لئن أشركت ليحبطن عملك‏}‏ ويكره الكلام فيه فإن تكلم بكلام طويل ابتدأ لإخلاله بالموالاة وإن كان يسيرا بنى لأن ذلك لا يبطل الخطبة وهي آكد منه إلا أن يكون كلاما محرما ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يبطل لأنه لا يخل بالمقصود‏.‏

والثاني‏:‏ يبطل لأنه فعل محرما فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الأذان في أول الوقت‏]‏

ويستحب أن يؤذن لأول الوقت ليعلم الناس بوقت الصلاة فيتهيئوا لها وقد روي أن بلالا كان يؤذن في أول الوقت وربما أخر الإقامة شيئا رواه ابن ماجة‏.‏

ويؤخر الإقامة لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال‏:‏ ‏[‏اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته‏]‏ رواه أبو داود ولأن الإقامة لافتتاح الصلاة فينبغي أن تتأخر قدرا يتهيئون فيه للصلاة فإن كان للمغرب جلس فيه جلسة خفيفة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة‏]‏ رواه تمام في الفوائد ويستحب أن يقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه لكونه قد أذن في مكان بعيد لقول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقني بآمين لأنه لو أقام في موضع صلاته لم يخف سبقه بذلك ويستحب لمن أذن أن يقيم لما روى زياد بن الحارث الصدائي أنه أذن فجاء بلال ليقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن أخا صداء أذن ومن أذن فهو يقيم‏]‏ من المسند وإن أقام غيره جاز لما روى أبو داود في حديث الأذان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏ألقه على بلال‏]‏ فألقاه عليه فأذن بلال فقال عبد الله‏:‏ أنا رأيته وأنا كنت أريده فقال‏:‏ ‏[‏فأقم أنت‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أخذ الأجرة على الأذان‏]‏

ولا يجوز أخذ الأجرة عليه لما روي عن عثمان بن أبي العاص أنه قال‏:‏ إن آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن ولأنه قربة لفاعله أشبه الإمامة وإن لم يوجد من يتطوع به رزق الإمام من بيت المال من يقوم به لأن الحاجة داعية إليه فجاز أخذ الرزق عليه كالجهاد وإن وجد متطوعا به لم يرزق لأن المال للمصلحة فلا يعطى في غير مصلحة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القول مثل ما يقول المؤذن‏]‏

ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول لما روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول‏]‏ متفق عليه‏.‏

ويقول عند الحيعلة‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم‏:‏ الله أكبر الله أكبر ثم قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال‏:‏ أشهد أن محمدا رسول الله فقال‏:‏ أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال‏:‏ حي على الصلاة فقال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال‏:‏ حي على الفلاح قال‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال‏:‏ الله أكبر الله أكبر قال‏:‏ الله أكبر الله أكبر ثم قال‏:‏ لا إله إلا الله قال‏:‏ لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة‏]‏ رواه مسلم قال الأثرم‏:‏ هذا من الأحاديث الجياد‏.‏

فإن سمع الأذان في الصلاة لم يقل مثل قوله لأن في الصلاة شغلا فإذا فرغ قال ذلك‏.‏

وإن كان في قراءة قطعها وقال ذلك لأن القراءة لا تفوت وهذا يفوت وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته حلت له الشفاعة يوم القيامة‏]‏ أخرجه البخاري ورواه ‏[‏سعد‏]‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من قال حين يسمع النداء وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا غفر له ذنبه‏]‏ رواه مسلم ويستحب الدعاء بين الأذان والإقامة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد‏]‏ حديث حسن‏.‏

باب‏:‏ شرائط الصلاة

وهي ستة‏:‏

الطهارة من الحدث لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يقبل الله صلاة بغير طهور‏]‏ رواه مسلم‏.‏

والثاني‏:‏ الطهارة من النجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض‏:‏ ‏[‏حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه وصلي فيه‏]‏ فدل على أنها ممنوعة من الصلاة فيه قبل غسله فمتى كانت عليه في بدنه أو ثيابه نجاسة مقدور على إزالتها غير معفو عنها لم تصح صلاته‏.‏

وإن جبر عظمه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر وأجزأته صلاته لأن ذلك يبيح ترك التطهر من الحدث وهو آكد‏.‏

ويحتمل أن يلزمه قلعه إذا لم يخف التلف لأنه لا يخاف التلف أشبه إذا لم يخف الضرر‏.‏

وإن أكل نجاسة لم يلزمه فيها لأنها حصلت في معدته فصارت كالمستحيل في المعدة‏.‏

وإن عجز عن إزالة النجاسة عن بدنه أو خلع الثوب النجس لكونه مربوطا أو نحو ذلك صلى ولا إعادة عليه لأنه شرط عجز عن فسقط كالسترة‏.‏

وإن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه لأن ستر العورة آكد لوجوبه في الصلاة وغيرها وتعلق حق الآدمي به في ستر عورته وصيانة نفسه‏.‏

والمنصوص أن يعيد لأنه ترك شرطا مقدورا عليه‏.‏

ويتخرج أن لا يعيد كما لو عجز عن خلعه أو صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه وإن خفي عليه موضع النجاسة لم يزل حكمها حتى يغسل ما يتيقن به أن التطهر قد لحقها لأنه تيقن النجاسة فلا يزول إلا بيقين غسلها‏.‏

فإن صلى على منديل طرفه نجس على الطاهر منه صحت صلاته فإن كان المنديل عليه أو متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى لم تصح صلاته لأنه حامل لها وإن كان في يده حبل مشدود في شيء نجس ينجر معه إذا مشى لم تصح صلاته لأنه كالحامل لها وإن كان لا ينجر معه كالفيل والسفينة النجسة لم تبطل صلاته لأنه غير حامل لها فأشبه ما لو كان مشدودا في دار فيها حش‏.‏

وإن حمل في الصلاة حيوانا طاهرا لم تبطل صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى حاملا أمامة بنت زينب ابنته متفق عليه ولأن ما في الحيوان من النجاسة في معدته فأشبه ما في جوف المطلي‏.‏

ولو حمل قارورة فيها نجاسة لم تصح صلاته لأنه حامل لنجاسة في غير معدتها أشبه ما لو حملها في كمه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏طهارة موضع الصلاة‏]‏

ويشترط طهارة موضع صلاته لأنه يحتاج إليه في الصلاة أشبه الثوب فإن كان بدنه أو ثوبه يقع على موضع نجس لم تصح صلاته وإن لاصقها على حائط أو ثوب إنسان فذكر ابن عقيل أن الصلاة صحيحة لأنه ليس بموضع لصلاته ولا محمولا فيها‏.‏

وإن سقط عليه نجاسة يابسة فزالت أو أزالها بسرعة لم تبطل صلاته لأنه زمن يسير فعفي عنه كاليسير في القدر وإن كانت النجاسة محاذية لبدنه في سجوده لا تصيب بدنه ولا ثوبه صحت صلاته‏.‏

وإن بسط على الأرض النجسة ثوبا أو طينها صحت صلاته عليها مع الكراهة لأنه ليس بحامل للنجاسة ولا مباشر لها‏.‏

وقيل‏:‏ لا تصح لأن اعتماده على الأرض النجسة‏.‏

وإن خفيت النجاسة في موضع معين حكمه حكم الثوب وإن خفيت في صحراء صلى حيث شاء لأنه لا يمكنه حفظها من النجاسة ولا غسل جميعها‏.‏

فإن حبس في مكان نجس صلى ولا إعادة عليه لأنه صلى على حسب حاله أشبه المربوط إلى غير القبلة فإن كانت رطبة يخاف تعديها إليه أومأ بالسجود وإن لم يخف سجد بالأرض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا رأى عليه نجاسة بعد الصلاة‏]‏

إذا رأى عليه نجاسة بعد الصلاة وجوز حدوثها بعدها لم تلزمه الإعادة لأن الأصل عدمها في الصلاة وإن علم أنها كانت عليه في الصلاة ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يعيد لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالجهل كالوضوء وقياسا على سائر الشرائط‏.‏

والثانية‏:‏ لا يلزمه لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة فخلع الناس نعالهم فقال‏:‏ ‏[‏ما لكم خلعتم فقالوا‏:‏ رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال‏:‏ أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن فيهما قذرا‏]‏ رواه أبو داود ولو بطلت لاستأنفها فعلى هذا إن علم بها في الصلاة فأمكنه إزالتها بغير عمل طويل فعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإن علم بها قبل الصلاة ثم نسيها فقال القاضي‏:‏ يعيد لأنه فرض في تركها وقال أبو الخطاب‏:‏ فيها روايتان كالتي قبلها لأن ما عذر فيه بالجهل عذر فيه بالنسيان كواجبات الصلاة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الأماكن التي لا تصح الصلاة فيها‏]‏

ولا تصح الصلاة في خمس مواضع‏:‏

المقبرة حديثة كانت أو قديمة والحمام داخله وخارجه لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام‏]‏ رواه أبو داود وروى أبو مرثد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها‏]‏ رواه مسلم‏.‏

وأعطان الإبل وهي التي تقيم فيها وتأوي إليها ‏[‏لما روى جابر بن سمرة أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله أنصلي في مرابض الغنم‏؟‏ قال‏:‏ نعم قال‏:‏ أنصلي في مبارك الإبل‏؟‏ قال‏:‏ لا‏]‏ رواه مسلم ولأن هذه المواضع مظنة للنجاسة فأقيمت مقامها‏.‏

والحش لأن النهي عن هذه المواضع تنبيه على النهي عنه ولأن احتمال النجاسة فيه أكثر وأغلب‏.‏

والموضع المغصوب لأن قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه فلم يقع عبادة كالصلاة في زمن الحيض‏.‏

وعنه‏:‏ أن الصلاة في هذه المواضع تصح مع التحريم لأن النهي لمعنى في غير الصلاة أشبه المصلي وفي يده خاتم من ذهب وعنه‏:‏ إن علم النهي لم تصح صلاته لارتكابه للنهي وإن لم يعلم صحت وضم بعض أصحابنا إلى هذه المواضع أربعة أخر المجزرة وهي موضع الذبح والمزبلة وقارعة الطريق وظهر البيت الحرام فجعل فيها الروايات الثلاث لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة المجزرة والمزبلة والمقبرة ومعاطن الإبل والحمام وقارعة الطريق وفوق بيت الله العتيق‏]‏ رواه ابن ماجة وفيه ضعف ولأن قارعة الطريق والمجزرة والمزبلة مظان للنجاسة أشبهت الحش والحمام وفي الكعبة يكون مستدبرا لبعض القبلة وإن صلى النافلة في الكعبة أو على ظهرها وبين يديه شيء منها صحت صلاته لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين متفق عليه‏.‏

والصلاة إلى هذه المواضع صحيحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فحيثما أدركتك الصلاة فصل‏]‏ متفق عليه إلا المقبرة فإن ابن حامد قال‏:‏ لا تصح الصلاة إليها لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا تصلوا إليها‏]‏ وإن صلى في مسجد بني في المقبرة فحكمه حكمها وإن حدثت المقبرة حوله صحت الصلاة فيه لأنه ليس بمقبرة‏.‏

وفي أسطحة هذه المواضع وجهان‏:‏

إحداهما‏:‏ أن حكمها حكمها لأنها تابع لها‏.‏

والثاني‏:‏ تصح لأنه ليس بمظنة للنجاسة ولا يتناوله النهي‏.‏

باب‏:‏ ستر العورة

وهو الشرط الثالث للصلاة لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار‏]‏ رواه أبو داود وعورة الرجل ما بين سرته وركبتيه لما روى أبو أيوب الأنصاري قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أسفل السرة وفوق الركبتين من العورة‏]‏ رواه أبو بكر بإسناده وعن جرهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏غط فخذك فإن الفخذ من العورة‏]‏ رواه أحمد رضي الله عنه في المسند وليست السرة والركبة من العورة لما ذكرنا‏.‏

وعنه‏:‏ إنها الفرجان لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم رواه البخاري وعورة الحر والعبد سواء لعموم الأحاديث‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏عورة المرأة الحرة‏]‏

والمرأة كلها عورة إلا الوجه وفي الكفين روايتان‏:‏ لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها‏}‏‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ وجهها وكفيها ولأنه يحرم ستر الوجه في الإحرام وستر الكفين بالقفازين ولو كانا عورة لم يحرم سترهما‏.‏

والثانية‏:‏ أن الكفين عورة لأن المشقة لا تلحق في سترهما فأشبها سائر بدنها وما عدا هذا عورة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار‏]‏ وعن أم سلمة قالت‏:‏ يا رسول الله تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار‏؟‏ فقال‏:‏ ‏[‏نعم إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏عورة الأمة‏]‏

وما يظهر دائما من الأمة كالرأس واليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الركبتين ليس بعورة لأن عمر رضي الله عنه نهى الأمة عن التقنع والتشبه بالحرائر قال القاضي في الجامع وما عدا ذلك عورة لأنه لا يظهر غالبا أشبه ما تحت السرة‏.‏

وقال ابن حامد عورتها كعورة الرجل لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا زوج أحدكم أمته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة‏]‏ يريد عورة الأمة رواه الدارقطني ولأنه من لم يكن رأسه عورة لم يكن صدره عورة كالرجل والمدبرة والمعلق عتقها بصفة كالقن لأنهما مثلها في البيع وغيره وأم الولد والمعتق بعضها كذلك لأن الرق باق فيهما إلا أنه يستحب لهما التستر لما فيهما من شبه الأحرار‏.‏

وعنه‏:‏ أنها كالحرة لذلك‏.‏

وعورة الخنثى المشكل كعورة الرجل لأن الأصل عدم وجوب الستر فلا نوجبه بالشك وإن قلنا‏:‏ العورة الفرجان لزمه ستر قبله وذكره لأن أحدهما واجب الستر ولا يتيقن ستره إلا بسترهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏انكشاف شيء من العورة‏]‏

وإن انكشف من العورة شيء يسير عفي عنه لأن اليسير يشق التحرز منه وإن كثر بطلت الصلاة به لأن التحرز منه ممكن وإن أطارت الريح ثوبه عن عورته فأعاده بسرعة لم تبطل صلاته لأنه يسير فأشبه اليسير في العورة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما تست به العورة‏]‏

ويجب ستر العورة بما يستر لون البشرة من الثياب أو الجلود أو غيرها فإن وصف لون البشرة لم يعتد به لأنه ليس بساتر ويجب أن يجعل على عاتقه شيئا من اللباس في الصلاة المفروضة لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء‏]‏ متفق عليه فإن ترك عليه شيئا من اللباس أجزأه وإن لم يسترها استدلالا بمفهوم الحديث وقال القاضي‏:‏ ستر المنكبين واجب في الفرض وقيل‏:‏ يجزئه وضع خيط وظاهر الحديث يدل على ما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يستحب للرجل أن يصلي فيه‏]‏

ويستحب للرجل أن يصلي في قميص ورداء أو إزار وسراويل لما روى ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال‏:‏ قال عمر‏:‏ إذا كان لأحدكم ثوبا فليصل فيهما رواه أبو داود فإن اقتصر على ثوب واحد أجزأه لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد متفق عليه والقميص أولى من الرداء لأنه أعم في الستر فإن كان واسع الجيب ترى منه عورته لم يجزئه لما روى سلمة بن الأكوع قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله إنا نصيد أفنصلي في القميص الواحد‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏نعم وازرره ولو بشوكة‏]‏ حديث حسن فإن كان ذا لحية تسد جيبه فلا ترى عورته جاز وإن صلى في رداء وكان واسعا التحف به وإن كان ضيقا خالف بين طرفيه على منكبيه كالقصار لما روى عمر بن أبي سلمة ‏[‏قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد قد ألقى طرفيه على عاتقيه‏]‏ متفق عليه وإن لم يجد ما يستر عورته أو منكبيه ستر عورته لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا كان الثوب واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به‏]‏ رواه البخاري‏.‏

ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وجلباب تلتحف به لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ تصلي المرأة في ثلاثة أثواب‏:‏ درع وخمار وإزار وإن صلت في درع وخمار يستر جميع بدنها أجزأ لما روينا من حديث أم سلمة وقد روي عن أم سلمة وميمونة أنهما كانا يصليان في درع وخمار ليس عليهما أزار رواه مالك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم عند انعدام السترة‏]‏

فإن عدم السترة وأمكنه الاستتار بحشيش بربطه عليه أو ورق لزمه لأنه ساتر للبشرة أشبه الثياب وإن وجد طينا لم يلزمه أن يطين عورته لأنه يلوثه‏:‏ ولا يغيب الخلقة وإن وجد بارية تؤذي جسمه ويدخل القصب فيه لم يلزمه لبسها لما فيه من الضرر وإن وجد ماء لم يلزمه النزول فيه وإن كان كدر لأنه ليس يستره ويمنعه التمكن من الصلاة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من لم يجد إلا ما يستر بعض العورة‏]‏

فإن لم يجد إلا ما يستر بعض العورة ستر الفرجين لأنهما أغلظ وإن لم يطف إلا أحدها ستر الدبر في أحد الوجهين لأنه أفحش وفي الآخر القبل لأنه به يستقبل القبلة والدبر يستتر بالأليتين وأيهما ست أجزأه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من عدم الستر مطلقا‏]‏

فإن عدم بكل حال صلى عريانا جالسا يومئ بالسجود لأنه يحصل به ستر أغلظ العورة هو آكد لما ذكرناه وعنه يصلي قائما ويركع ويسجد لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط يصلي العراة جماعة صفا واحدا لئلا يرى بعضهم عورات بعض ويقوم إمامهم في وسطهم ليكون أستر له فإن لم يسعهم صف واحد صلوا صفين وغضوا أبصارهم فإن كان فيهم نساء صلى كل نوع لأنفسهم فإن ضاق المكان صلى الرجل واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وجود السترة بعد الصلاة‏]‏

وإن وجد الستر بعد الصلاة لم يعد لأنه شرط للصلاة عجز عنه أشبه القبلة وإن وجدها في أثناء الصلاة قريبة ستر وبنى لأنه عمل قليل وإن كانت بعيدة بطلت صلاته لأنه يفتقر إلى عمل كثير وإن عتقت الأمة في الصلاة وهي مكشوفة الرأس فكذلك فإن لم تعلم حتى صلت أعادت كما لو بدت عورتها ولم تعلم بها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا كان معهم ثوب لأحدهم‏]‏

إذا كان معهم ثوب لأحدهم لزمته الصلاة فيه فإن آثر غيره وصلى عريانا لم تصح لأنه قادر على السترة فإذا صلى استحب أن يعيره لرفقته فإن لم يفعل لم يغصب لأن صلاتهم تصح بدونه وإن أعاره لواحد لزمه قبوله وصار بمنزلته لأن المنة لا تلحق به ولو وهبه له لم يلزمه قبوله لأن فيه منة فإن أعاره لجميعهم صلى فيه واحد بعد واحد إلا أن يخاف ضيق الوقت فيصلي فيه واحد والباقون عراة ويستحب أن يعيره لمن يصلح لإمامتهم حتى يؤمهم ويقوم بين أيديهم فإن أعاره لغيره جاز‏.‏

قال القاضي‏:‏ ويصلي وحده لأنه قادر على شرط الصلاة فلم يجز أن يأتم بالعاجز عنه كالمعافى يأتم بمن به سلس البول‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الصلاة في الثوب المغصوب‏]‏

ويحرم لبس الثوب المغصوب لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه فإن لم يجد غيره صلى وتركه ويحرم على الرجال استعمال ثياب الحرير في لبسها وافتراشها وكذلك المنسوج بالذهب والمموه به لما روى أبو موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح وإن صلى في ذلك ففيه روايتان مضى توجيههما في المواضع المنهي عنها‏.‏

وإن صلى في عمامة محرمة أو خاتم ذهب صحت صلاته لأن النهي لا يعود إلى شرط الصلاة‏.‏

ولا بأس في صلاة المرأة في الحرير والذهب لحله بها ولا بأس بلبس الرجل الخز لأن الصحابة رضي الله عنهم لبسوه ومن لم يجد إلا ثوب حرير صلى فيه ولا يعيد لأنه مباح له في تلك الحال ويباح علم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع حديث صحيح‏.‏

وقال أبو بكر‏:‏ يباح وإن كان مذهبا وكذلك الرقاع ولبنة الجيب وسجف الفراء وما نسج من الحرير وغيره جاز لبسه إذا قل الحرير عن النصف لما روي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثوب المصمت أما العلم وسدى الثوب فليس به بأس رواه أبو داود وإن زاد على النصف حرم لأن الحكم للأغلب وإن استويا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ إباحته للخبر‏.‏

والثاني‏:‏ تحريمه لعموم خبر التحريم‏.‏

ويباح لبس الحرير للقمل والحكة لأن أنسا روى أن عبد الرحمن بن عوف والزبير ابن العوام شكوا القمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرخص لهما في قميص الحرير متفق عليه‏.‏

وعنه‏:‏ لا يباح لعموم التحريم واحتمال اختصاصهم بذلك وهل يباح لبسه في الحرب فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجوز لعموم الخبر‏.‏

والثانية‏:‏ يجوز لأن المنع منه للخيلاء وهي غير مذمومة في الحرب وكان لعروة يلمق من ديباج بطانته من سندس يلبسه في الحرب‏.‏

وليس لولي الصبي أن يلبسه الحرير لأنه ذكر فيدخل في عموم الخبر‏.‏

وعنه‏:‏ يباح أن الصبي غير مكلف فأشبه ما لو ألبسه الدابة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏لبس المزعفر والمعصفر‏]‏

ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل متفق عليه وعن علي رضي الله عنه قال‏:‏ نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس المعصفر رواه مسلم ولا بأس لذلك للنساء فأما ما عليه صور الحيوان فقال‏:‏ أبو الخطاب‏:‏ يحرم لبسه لأن أبا طلحة قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏[‏لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة‏]‏ وقال ابن عقيل‏:‏ يكره وليس بمحرم لأن في سياق الحديث‏:‏ ‏[‏إلا رقم في ثوب‏]‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اشتمال الصماء‏]‏

ويكره اشتمال الصماء لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن اشتمال الصماء رواه البخاري ومعنى الصماء‏:‏ أن يجعل الرداء تحت كتفه الأيمن ويرد طرفيه على الأيسر فيبقى منكبه الأيمن مكشوفا‏.‏

وعنه‏:‏ إنما نهي عنه لم يكن عليه إزار فيبدو فرجه أما إذا كان عليه إزار فتلك لبسة المحرم لا بأس بها‏.‏

ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل اختيالا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه‏]‏ متفق عليه‏.‏

ويكره تغطية الفم في الصلاة لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

ويكره شد الوسط بما يشبه شد الزنار لما فيه من التشبه بالنصارى فأما شده بغير ذلك فلا بأس به ويكره لف الكم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ولا أكف شعرا ولا ثوبا‏]‏ متفق عليه‏.‏